قطر: الأدعم

البُعد الحضاري والتاريخي

الباحث في تاريخ العَلَم القطري يجد أنه قد تميز بتاريخه، ولفهم هذا التاريخ ،والتعمق فيه قامت لجنة احتفالات اليوم الوطني للدولة بعمل هذه الدراسة التاريخية حيث قامت بتكليف خبيرين أحدهما خبير تاريخي يعمل في الديوان الأميري والأخر خبير متخصص في الوثائق والمكتبات ويعمل في مؤسسة قطر بعمل هذه الدراسة على مدى 3 شهور واضعين في الاعتبار أن توثق هذه الدراسة البعد الحضاري والتاريخي للعلم في الماضي وحتى التاريخ الحاضر.

تاريخ لون العَلَم

• يعود تاريخ اللون الأحمر الأرجواني إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.
• العصر البرونزي بدأ حوالي الألفية الثالثة قبل الميلاد، وانتهى بحلول فترة الكوشيين في الألفية الثانية قبل الميلاد .
• ارتبط تاريخ اللون الأحمر الأرجواني بالفينيقيين ( من سلالة الكنعانيين) في الجزيرة العربية ، وقد اشتقت كلمة فينيقي من الكلمة الإغريقية " فينكس" ومعناها الشعب الأرجواني اللون.
• كان المؤرخ الإغريقي هيرودوت قد أشار إلى أن الكنعانيين هم أول من سكن في المنطقة المعروفة الآن بقطر ، كما ذكر المؤرخ والجغرافي ، والفيلسوف اليوناني ، ستاربو ، أن الفينيقيين ، جاءوا من الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية . وقد مارس الفينيقيون تجارة الأصباغ الحمراء الأرجـــوانية ( عرف منها أيضا الأرجوان الملكي ، أو الأرجوان الإمبراطوري) ، التي كان يستخدمها الملوك ،والأمراء وعليّة القوم في المجتمع ، في احتفالاتهم ،وطقوسهم الملكية ، وذلك وفق قوانين صارمة تحكم استخدام تلك الأصباغ الحمراء الأرجوانية، لما يمثله منَ يرتدي هذه الألوان من مكانة.

جزيرة بن غنّام : أصل لون العلم

• إن من المعترف به الآن من قبل علماء الآثار أن جزيرة ( بن غنّام) كانت مصدر هذا الصبغ الأحمر الأرجواني ، وتقع هذه الجزيرة الصغيرة ، بالقرب من الخور ، وعلى بعد 40 كيلو مترا من الدوحة.
• وجد علماء الآثار في جزيرة (بن غنّام )كثيراً من بقايا الأصداف البحرية ، من فصيلة الصدفة موركس التي احتوت على الصبغ الأحمر الأرجواني ، الذي كان ينتجه الفينيقيون، كما وجد العلماء أيضاً حوالي ثلاثة ملايين صدفة ، احتوت على مواد للصبغ الأحمر الأرجواني ، وكانت قطــــــــــــر ، بحسب إحصاءاتهـــــــــم ، هي المكان الوحيد – في المنطقة لإنتاج الصبغ الأحمر الأرجواني خارج مدينة صـــــــــور ( اللبنانية) .
• تحت تأثير أشعة شمس الصحراء الحارقة يجف الصبغ الأرجواني ، ويتحول إلى اللون الأحمر الأرجواني (العنابي).

أصل العلم، وتطوره

لفهم ارتباط العلم بتاريخ قطر ،وأهلها ،و بيئتها، يجب سبر عدة دلالات يستطيع الباحث من خلالها استقراء العمق التاريخي لهذا العلم.

معنى لدعم (الأدعم)

لدعم عند القطريين منذ القدم هو اللون الأحمر الغامق أو الداكن وهو بيرق المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني رحمه الله. وفي أصل اللغة تقول العرب دعم الشيء أقامه، والأدعم القائم، ومنها الدِّعْمَةُ ،والدعائم التي يقوم عليها البيت ،وأي بناء يقوم على دعائم، أدعم الرجل إذا سار إلى الأمام واثقا، لا يتلفت لقول ،ولا ينتظرُ متخلفا ،ولا يأبَهُ لمعترض. ويقال أن أدعم أي: اتكأ على الدعمة، وهي كلمة مشتقة من "دَعَمة"واحدة الدعائم، وهي عمود يقوم عليه البيت في وسطه ،أو ركنه لحمل السقف. فكأن عمود الراية دعمة من الدعائم التي يجتمع حولها جمع الناس ،ويحتشد عندها الجيش.

التفرد

• يتفرد العلم القطري بلونه الأحمر الأرجواني، الذي فتن الحضارات القديمة، ولا يزال تراثها الثقافي يعدّه رمزاً للهيبة ،والوقار وعلو المنزلة، ومن أشرف الألوان وأعلاها مرتبة،
• يتفرد علم قطر بلونه الأحمر الأرجواني عن أعلام دول العالم عامة ، وبشكل خاص عن أعلام الدول العربية التي يربطها بقطر الدين ،و أواصر الجوار ،والقربى والنسب ،فجميعها تقريباً يشكل اللون الأحمر جزء اً من أعلامها.
• عند تتبع ما دوّنه التاريخ القديم نجد ما يثبت ،ويصف ،ويحدد جذور العلاقة التي تربط بين قطر، واللون الأحمر الأرجواني ،و أسبابها:
1. عند دراسة علاقة أرض قطر بالكنعانيين يذكر المؤرخون أن الفينيق هو الاسم الذي أطلقه الإغريق على الكنعانيين ،حيث تعني كلمة (phoenix) عند الإغريق: الشعبَ ذا اللون الأحمر الأرجواني. نسبة إلى لون ملابسهم التي كانوا يحتكرون سر صباغتها باللون الأحمر الأرجواني.
2. ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت القرن الخامس ق.م الملقب بـ (أبي التاريخ) بأن أول من سكن أرض قطر هُمُ الكنعانيون.
3. ورد اسم قطر في خريطة بطليموس المسماة (بلاد العرب) باسم (كتارا). ثم عضّد الجغرافي الإغريقي (سترابو) (64-20) ق.م هذا المعنى في موسوعته عندما طرح - للمرة الأولى - مسائل أصل الشعوب ،وهجراتهم، وتأسيس الممالك في العالم القديم ، وقد حدد سترابو أن بداية هجرة الكنعانيين كانت من الجزيرة العربية والخليج نـحو أرض ما بين النهرين، وسواحل المتوسط .
4. إذاً الكنعانيون كانوا هنا في قطر ، وهاجروا ،وحملوا معهم سر اللون الأحمر الأرجواني ، فورثه من بعدهم من سكنوا قطر نتيجة ارتباطهم ،وعلاقتهم بالبحر .
5. علاقة قطر بهذا اللون لم تتوقف أبداً ،بل استمرت فقد ورد عن قطر في التاريخ الإسلامي أنها كانت البلاد المعروفة بصناعة المنسوجات، و البُرُد، والثياب الحمراء الأرجوانية، وأن ذلك اللون هو لون قطري كانت تصبغ به المنسوجات من ثياب وبرد، و أردية تسمى (قِطرية) بكسر القاف تماماً كما ينطق بها أهل قطر اليوم اسم بلادهم.
6. لم يكن فقط التاريخ الإسلامي هو المصدر الوحيد عن تلك الفترة، بل كانت السيرة ،والسنة النبوية الشريفة التي أشارت إلى أن الرسول الكريم (ص) كان يلبس البرد ،والأثواب القطرية، في حياته وفي العيدين والجمعة ،وكان الثوب القطري الأحمر الأرجواني آخر ما لبسه الرسول (ص) . في الحديث الذي رواه أنس بن مالك (رض) عن آخر يوم في حياة الرسول (ص). قال :" خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ، وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَلَيْهِ ثَوْبٌ قِطْرِيٌّ مُتَوَشِّحًا بِهِ ، فَصَلَّى بِهِمْ ". وكان آخر ما لامس بدنه ،وبه سُجّي لحظة وفاته (ص)..

علم الهدنة (علم الإمارات المتصالحة)

• في يناير من عام 1820 ، وفي أعقاب نهاية الحملة البريطانية على رأس الخيمة ، تم توقيع اتفاقية سلام عام بين شركة الهند البريطانية ،وزعماء إمارات الساحل المتصالح، وهي: أبوظبي ،ودبي ،والشارقة ،وعجمان ،وأم القيوين، ورأس الخيمة . وفي الشهر التالي انضمت البحرين إلى الإمارات الموقعة على الاتفاقية ، التي أرست شروطُها السلامَ بين البريطانيين ،وإمارات الساحل المتصالح. كما نصت الاتفاقية على اعتماد علم ، يستخدمه كل العرب المتصالحين ، ممن شملتهم الاتفاقية ، وقد عرف هذا العلم بعلم الهدنة ، وهو عبارة عن قطعة من القماش الأبيض ، يخترقها مستطيل أحمر في الوسط (4) . وعلى الرغم من أن كل الإمارات المتصالحة قد خضعت للحماية البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر ، إلا أن الحكومة البريطانية لم تجبرها على رفع علم الهدنة.

• في العام التالي ، قصفت البارجة الحربية " فستال" التابعة لشركة الهند البريطانية البدع ( الدوحة الآن) بحجة قيام بعض الأفراد بارتكاب أعمال قرصنة بحرية قرب ساحل الدوحة ، ولم تكن قطر قد وقعت على اتفاقية 1820 التي وقعت عليها باقي إمارات الساحل مع بريطانيا.

• لم يكد ينقضي عامان على قصف البدع ، حتى قام الكابتن جون ماكلويد ، المقيم السياسي في الخليج (ديسمبر1822-سبتمبر1823) بزيارة البدع في يناير من عام 1823 ، وكانت أول زيارة ، يقوم بها مسؤول بريطاني إلى البدع ، وهي الزيارة التي وفّرت أول معلومات جغرافية مباشرة عن الساحل الشرقي لشبه جزيرة قطر.

• اكتشف ماكلويد في زيارته أن القطريين لم يرفعوا علم الهدنة (الإمارات المتصالحة) لأنهم أصلا لم يو قعوا معاهدة السلم لعام 1820. ومن الأهمية بمكان أن نشير في هذا السياق إلى أنه لم يكن هناك علم موحد مميز في قطر ، في ذلك الوقت ، وإنما كان لكل قبيلة راية خاصة بها ، ترفعها خلال الأعياد، والاحتفالات، والمواكب، والحروب ،وساعة اندلاع أي نوع من أنواع العداءات.

مسيمير 1851

• في عام 1851 ، تعرض أهل قطر للغزو من ناحية مسيمير ، وعند اجتماعهم وخروجهم لمواجهة الغزاة، قامت كل قبيلة بالتنادي بالأشعار الحماسية ،ورفع رايتها الخاصة، انتبه الشيخ محمد بن ثاني إلى خطورة هذه النزعة، وأدرك وهو العالم المتدين ،و الخطيب المفوَّه ،والمؤمن بتاريخ ،وثقافة وطنه ضرورة توحيد القطريين تحت راية واحدة.

• الشيخ محمد بن ثاني كان يدرك أنه من الصعوبة بمكان لطبيعة القبائل ونزعتها العصبية تخلي كل قبيلة عن بيرقها ،فما كان منه إلا أن طرح توحيد جميع الرايات براية لونها الأحمر الأرجواني لعلمه بارتباط هذا اللون بتاريخهم وبيئتهم ،فلطالما عَرف القطريون به كصانعين له ،والأهم ارتداء الرسول صلى الله عليه وسلم للبردة القطرية ذات اللون الأحمر الأرجواني ، وتأديته الصلوات بها ،ووفاته صلى الله عليه وسلم، وهو مرتديا إياها.

• وبعد التشاور بين الجميع اقتنع القطريون بالفعل بطرح الشيخ محمد بن ثاني وتقبلوا هذه الراية ،وأضافوا اسم قطر عليها ،و أطلقوا على رايتهم الموحِدة اسم الأدعم ، ولعلَّ رفعَ علمٍ موحِّد للقطريين للمرة الأولى في تاريخ قطر ألهمت الشباب القطري، و على رأسهم الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني بحلم إنشاء الدولة.

• وبقيت هذه الراية عنواناً لقطر ،و استخدمها القطريون وقت السلم، وذلك عند استعراضهم في الأعياد ،والمناسبات المختلفة.

• في عهد الشيخ محمد بن ثاني- وبسبب تقدمه في السن- أناب ابنه المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ليتولى أمور الزعامة في قطر، فقام في ديسمبر من العام 1871 برفع علم الخلافة العثمانية الإسلامية فوق قلعة البدع إيمانا منه بالوحدة ، والجامعة الإسلامية ، والخلافة ،ولصد النفوذ البريطاني. وحتى بعد أن قاد المؤسس القطريين في معركة الوجبه ضد العثمانين عام 1893 و الانتصار عليهم أبقى على علم الخلافة مرفوعا و بقيَ حتى بعد وفاته -رحمه الله -بثلاث سنوات.

• في أغسطس/آب من عام 1915 م ، في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الأولى وبعد أكثر من 40 عاماً على رفع العلم العثماني في قلعة البدع، ، قام حاكم قطر في حينه- المغفور له- الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني بعد مغادرة الأتراك ، بإعادة استخدام العلم الأحمر الأرجواني الذي رفع للمرة الأولى في معركة مسيمير 1851.

• عام 1916 و بعد ما يُقارب قرناً من الزمان على توقيع دول الساحل المتصالح اتفاقية الحماية مع الحكومة البريطانية، وقعت قطر اتفاقية قطرية بريطانية في نوفمبر 1916 مع السير بيرس كوكس ، المقيم السياسي في الخليج وبذلك أصبحت قطر عضوا في إمارات الساحل المتصالح ، إلا أن قطر لم ترفع علم الهدنة ، ، بل استمرت في رفع علم قطر الأحمر الأرجواني الذي أعاده الشيخ عبدالله بن جاسم- رحمه الله-.

علم قطر الجديد

• في أبريل من عام 1932، قررت البحرية البريطانية أن يكون لقطر علم مميِّز لها ، فتم اقتراح أن يكون العلم القطري باللون الأحمر ، ولكن بتسعة رؤوس (قطر العضو التاسع في اتفاقية الساحل المتصالح) ، ولكن قطر رفضت استخدام اللون الأحمر ،و استبدلته بلونها الأحمر الأرجواني الذي تفتخر وتعتز به على مرِّ التاريخ ،و أبقت على الرؤوس التسعة مع إضافة الماسات ذات اللون الأحمر الأرجواني تفصل بين كل رأس، و آخر، كما أضافت اسم قطر باللون الأبيض على الخلفية الحمراء الأرجوانية.
• لم تقبل بريطانيا بلون هذا العلم ، للاعتقاد بأن اللون الأحمر هو المعتاد لأعلام العرب والمسلمين ، وأن اللون الأحمر الأرجواني لون غير عادي للأعلام ، ما حدا بالحكومة البريطانية - في بادئ الأمر - إلى طلب تغيير اللون الأحمر الأرجواني باللون الأحمر .
• لم تعر قطر إذناً صاغية للحكومة البريطانية، وعليه ظل اللون الأحمر الأرجواني مُعتمَداً في علم قطر ، وبحسب ما ذهب إليه إيريك إنجيل فيلد ، في 1940م ، فقد تبنّت قطر لوناً أرجوانيا أحمر ، مستخلصا من صبغ طبيعي أحمر.
• وفي عام 1960 ، قام حاكم قطر في حينه الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني -رحمه الله- ،بتغيير طفيف حيث أبقى اللونين الأبيض، و الأحمر الأرجواني و الرؤوس المسننة ،ولكن من دون كلمة قطر ،و الماسات . وظلت قطر - منذ ذلك الحين - ترفع العلم الحالي.
• ولذلك فإن الجزء الأحمر الأرجواني في علم قطر ، يتوافق مع تاريخ قطر، وبيئتها وبُعدها الحضاري ، وكان إصرار القطريين على رفعه من هذا المنطلق.

انضمام قطر للأمم المتحدة

في العام 1971 ، انضمت قطر للأمم المتحدة ،وذلك في أعقاب إلغاء اتفاقية الحماية البريطانية. ورفع علم قطر بلونيه التاريخيين الأحمر الأرجواني ،و الأبيض.

لدعم (الأدعم)

• بعد أربعين عاماً ، في أوائل عام 2012 ، وجه سمو أمير الدولة ، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني- حفظه الله - بضرورة إصدار تشريع يحدد لون العلم ومواصفاته الفنية، ونظامه البروتوكولي ، تماشيا مع دستور الدولة الذي يذكر في الباب الأول :"الدولة و أسس الحكم" المادة 3: يحدد القانون علم الدولة وشعارها، وأوسمتها، وشاراتها، ونشيدها الوطني.

الفيلم الوثائقي لدعم:


 
لا تنس التعليق علي الموضوع


شارك عبر جوجل بلس ;)





ليست هناك تعليقات :

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أعمال اليوم الوطني في قطر لعام 2013 كل الحقوق محفوظة لدي مدرسة حمزة بن عبد المطلب . تصميم وتطوير أنس محمود ~ أنس محمود

Scroll to top