قطر: الأدعم

البُعد الحضاري والتاريخي

الباحث في تاريخ العَلَم القطري يجد أنه قد تميز بتاريخه، ولفهم هذا التاريخ ،والتعمق فيه قامت لجنة احتفالات اليوم الوطني للدولة بعمل هذه الدراسة التاريخية حيث قامت بتكليف خبيرين أحدهما خبير تاريخي يعمل في الديوان الأميري والأخر خبير متخصص في الوثائق والمكتبات ويعمل في مؤسسة قطر بعمل هذه الدراسة على مدى 3 شهور واضعين في الاعتبار أن توثق هذه الدراسة البعد الحضاري والتاريخي للعلم في الماضي وحتى التاريخ الحاضر.

تاريخ لون العَلَم

• يعود تاريخ اللون الأحمر الأرجواني إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.
• العصر البرونزي بدأ حوالي الألفية الثالثة قبل الميلاد، وانتهى بحلول فترة الكوشيين في الألفية الثانية قبل الميلاد .
• ارتبط تاريخ اللون الأحمر الأرجواني بالفينيقيين ( من سلالة الكنعانيين) في الجزيرة العربية ، وقد اشتقت كلمة فينيقي من الكلمة الإغريقية " فينكس" ومعناها الشعب الأرجواني اللون.
• كان المؤرخ الإغريقي هيرودوت قد أشار إلى أن الكنعانيين هم أول من سكن في المنطقة المعروفة الآن بقطر ، كما ذكر المؤرخ والجغرافي ، والفيلسوف اليوناني ، ستاربو ، أن الفينيقيين ، جاءوا من الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية . وقد مارس الفينيقيون تجارة الأصباغ الحمراء الأرجـــوانية ( عرف منها أيضا الأرجوان الملكي ، أو الأرجوان الإمبراطوري) ، التي كان يستخدمها الملوك ،والأمراء وعليّة القوم في المجتمع ، في احتفالاتهم ،وطقوسهم الملكية ، وذلك وفق قوانين صارمة تحكم استخدام تلك الأصباغ الحمراء الأرجوانية، لما يمثله منَ يرتدي هذه الألوان من مكانة.

جزيرة بن غنّام : أصل لون العلم

• إن من المعترف به الآن من قبل علماء الآثار أن جزيرة ( بن غنّام) كانت مصدر هذا الصبغ الأحمر الأرجواني ، وتقع هذه الجزيرة الصغيرة ، بالقرب من الخور ، وعلى بعد 40 كيلو مترا من الدوحة.
• وجد علماء الآثار في جزيرة (بن غنّام )كثيراً من بقايا الأصداف البحرية ، من فصيلة الصدفة موركس التي احتوت على الصبغ الأحمر الأرجواني ، الذي كان ينتجه الفينيقيون، كما وجد العلماء أيضاً حوالي ثلاثة ملايين صدفة ، احتوت على مواد للصبغ الأحمر الأرجواني ، وكانت قطــــــــــــر ، بحسب إحصاءاتهـــــــــم ، هي المكان الوحيد – في المنطقة لإنتاج الصبغ الأحمر الأرجواني خارج مدينة صـــــــــور ( اللبنانية) .
• تحت تأثير أشعة شمس الصحراء الحارقة يجف الصبغ الأرجواني ، ويتحول إلى اللون الأحمر الأرجواني (العنابي).

أصل العلم، وتطوره

لفهم ارتباط العلم بتاريخ قطر ،وأهلها ،و بيئتها، يجب سبر عدة دلالات يستطيع الباحث من خلالها استقراء العمق التاريخي لهذا العلم.

معنى لدعم (الأدعم)

لدعم عند القطريين منذ القدم هو اللون الأحمر الغامق أو الداكن وهو بيرق المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني رحمه الله. وفي أصل اللغة تقول العرب دعم الشيء أقامه، والأدعم القائم، ومنها الدِّعْمَةُ ،والدعائم التي يقوم عليها البيت ،وأي بناء يقوم على دعائم، أدعم الرجل إذا سار إلى الأمام واثقا، لا يتلفت لقول ،ولا ينتظرُ متخلفا ،ولا يأبَهُ لمعترض. ويقال أن أدعم أي: اتكأ على الدعمة، وهي كلمة مشتقة من "دَعَمة"واحدة الدعائم، وهي عمود يقوم عليه البيت في وسطه ،أو ركنه لحمل السقف. فكأن عمود الراية دعمة من الدعائم التي يجتمع حولها جمع الناس ،ويحتشد عندها الجيش.

التفرد

• يتفرد العلم القطري بلونه الأحمر الأرجواني، الذي فتن الحضارات القديمة، ولا يزال تراثها الثقافي يعدّه رمزاً للهيبة ،والوقار وعلو المنزلة، ومن أشرف الألوان وأعلاها مرتبة،
• يتفرد علم قطر بلونه الأحمر الأرجواني عن أعلام دول العالم عامة ، وبشكل خاص عن أعلام الدول العربية التي يربطها بقطر الدين ،و أواصر الجوار ،والقربى والنسب ،فجميعها تقريباً يشكل اللون الأحمر جزء اً من أعلامها.
• عند تتبع ما دوّنه التاريخ القديم نجد ما يثبت ،ويصف ،ويحدد جذور العلاقة التي تربط بين قطر، واللون الأحمر الأرجواني ،و أسبابها:
1. عند دراسة علاقة أرض قطر بالكنعانيين يذكر المؤرخون أن الفينيق هو الاسم الذي أطلقه الإغريق على الكنعانيين ،حيث تعني كلمة (phoenix) عند الإغريق: الشعبَ ذا اللون الأحمر الأرجواني. نسبة إلى لون ملابسهم التي كانوا يحتكرون سر صباغتها باللون الأحمر الأرجواني.
2. ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت القرن الخامس ق.م الملقب بـ (أبي التاريخ) بأن أول من سكن أرض قطر هُمُ الكنعانيون.
3. ورد اسم قطر في خريطة بطليموس المسماة (بلاد العرب) باسم (كتارا). ثم عضّد الجغرافي الإغريقي (سترابو) (64-20) ق.م هذا المعنى في موسوعته عندما طرح - للمرة الأولى - مسائل أصل الشعوب ،وهجراتهم، وتأسيس الممالك في العالم القديم ، وقد حدد سترابو أن بداية هجرة الكنعانيين كانت من الجزيرة العربية والخليج نـحو أرض ما بين النهرين، وسواحل المتوسط .
4. إذاً الكنعانيون كانوا هنا في قطر ، وهاجروا ،وحملوا معهم سر اللون الأحمر الأرجواني ، فورثه من بعدهم من سكنوا قطر نتيجة ارتباطهم ،وعلاقتهم بالبحر .
5. علاقة قطر بهذا اللون لم تتوقف أبداً ،بل استمرت فقد ورد عن قطر في التاريخ الإسلامي أنها كانت البلاد المعروفة بصناعة المنسوجات، و البُرُد، والثياب الحمراء الأرجوانية، وأن ذلك اللون هو لون قطري كانت تصبغ به المنسوجات من ثياب وبرد، و أردية تسمى (قِطرية) بكسر القاف تماماً كما ينطق بها أهل قطر اليوم اسم بلادهم.
6. لم يكن فقط التاريخ الإسلامي هو المصدر الوحيد عن تلك الفترة، بل كانت السيرة ،والسنة النبوية الشريفة التي أشارت إلى أن الرسول الكريم (ص) كان يلبس البرد ،والأثواب القطرية، في حياته وفي العيدين والجمعة ،وكان الثوب القطري الأحمر الأرجواني آخر ما لبسه الرسول (ص) . في الحديث الذي رواه أنس بن مالك (رض) عن آخر يوم في حياة الرسول (ص). قال :" خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ، وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَلَيْهِ ثَوْبٌ قِطْرِيٌّ مُتَوَشِّحًا بِهِ ، فَصَلَّى بِهِمْ ". وكان آخر ما لامس بدنه ،وبه سُجّي لحظة وفاته (ص)..

علم الهدنة (علم الإمارات المتصالحة)

• في يناير من عام 1820 ، وفي أعقاب نهاية الحملة البريطانية على رأس الخيمة ، تم توقيع اتفاقية سلام عام بين شركة الهند البريطانية ،وزعماء إمارات الساحل المتصالح، وهي: أبوظبي ،ودبي ،والشارقة ،وعجمان ،وأم القيوين، ورأس الخيمة . وفي الشهر التالي انضمت البحرين إلى الإمارات الموقعة على الاتفاقية ، التي أرست شروطُها السلامَ بين البريطانيين ،وإمارات الساحل المتصالح. كما نصت الاتفاقية على اعتماد علم ، يستخدمه كل العرب المتصالحين ، ممن شملتهم الاتفاقية ، وقد عرف هذا العلم بعلم الهدنة ، وهو عبارة عن قطعة من القماش الأبيض ، يخترقها مستطيل أحمر في الوسط (4) . وعلى الرغم من أن كل الإمارات المتصالحة قد خضعت للحماية البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر ، إلا أن الحكومة البريطانية لم تجبرها على رفع علم الهدنة.

• في العام التالي ، قصفت البارجة الحربية " فستال" التابعة لشركة الهند البريطانية البدع ( الدوحة الآن) بحجة قيام بعض الأفراد بارتكاب أعمال قرصنة بحرية قرب ساحل الدوحة ، ولم تكن قطر قد وقعت على اتفاقية 1820 التي وقعت عليها باقي إمارات الساحل مع بريطانيا.

• لم يكد ينقضي عامان على قصف البدع ، حتى قام الكابتن جون ماكلويد ، المقيم السياسي في الخليج (ديسمبر1822-سبتمبر1823) بزيارة البدع في يناير من عام 1823 ، وكانت أول زيارة ، يقوم بها مسؤول بريطاني إلى البدع ، وهي الزيارة التي وفّرت أول معلومات جغرافية مباشرة عن الساحل الشرقي لشبه جزيرة قطر.

• اكتشف ماكلويد في زيارته أن القطريين لم يرفعوا علم الهدنة (الإمارات المتصالحة) لأنهم أصلا لم يو قعوا معاهدة السلم لعام 1820. ومن الأهمية بمكان أن نشير في هذا السياق إلى أنه لم يكن هناك علم موحد مميز في قطر ، في ذلك الوقت ، وإنما كان لكل قبيلة راية خاصة بها ، ترفعها خلال الأعياد، والاحتفالات، والمواكب، والحروب ،وساعة اندلاع أي نوع من أنواع العداءات.

مسيمير 1851

• في عام 1851 ، تعرض أهل قطر للغزو من ناحية مسيمير ، وعند اجتماعهم وخروجهم لمواجهة الغزاة، قامت كل قبيلة بالتنادي بالأشعار الحماسية ،ورفع رايتها الخاصة، انتبه الشيخ محمد بن ثاني إلى خطورة هذه النزعة، وأدرك وهو العالم المتدين ،و الخطيب المفوَّه ،والمؤمن بتاريخ ،وثقافة وطنه ضرورة توحيد القطريين تحت راية واحدة.

• الشيخ محمد بن ثاني كان يدرك أنه من الصعوبة بمكان لطبيعة القبائل ونزعتها العصبية تخلي كل قبيلة عن بيرقها ،فما كان منه إلا أن طرح توحيد جميع الرايات براية لونها الأحمر الأرجواني لعلمه بارتباط هذا اللون بتاريخهم وبيئتهم ،فلطالما عَرف القطريون به كصانعين له ،والأهم ارتداء الرسول صلى الله عليه وسلم للبردة القطرية ذات اللون الأحمر الأرجواني ، وتأديته الصلوات بها ،ووفاته صلى الله عليه وسلم، وهو مرتديا إياها.

• وبعد التشاور بين الجميع اقتنع القطريون بالفعل بطرح الشيخ محمد بن ثاني وتقبلوا هذه الراية ،وأضافوا اسم قطر عليها ،و أطلقوا على رايتهم الموحِدة اسم الأدعم ، ولعلَّ رفعَ علمٍ موحِّد للقطريين للمرة الأولى في تاريخ قطر ألهمت الشباب القطري، و على رأسهم الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني بحلم إنشاء الدولة.

• وبقيت هذه الراية عنواناً لقطر ،و استخدمها القطريون وقت السلم، وذلك عند استعراضهم في الأعياد ،والمناسبات المختلفة.

• في عهد الشيخ محمد بن ثاني- وبسبب تقدمه في السن- أناب ابنه المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ليتولى أمور الزعامة في قطر، فقام في ديسمبر من العام 1871 برفع علم الخلافة العثمانية الإسلامية فوق قلعة البدع إيمانا منه بالوحدة ، والجامعة الإسلامية ، والخلافة ،ولصد النفوذ البريطاني. وحتى بعد أن قاد المؤسس القطريين في معركة الوجبه ضد العثمانين عام 1893 و الانتصار عليهم أبقى على علم الخلافة مرفوعا و بقيَ حتى بعد وفاته -رحمه الله -بثلاث سنوات.

• في أغسطس/آب من عام 1915 م ، في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الأولى وبعد أكثر من 40 عاماً على رفع العلم العثماني في قلعة البدع، ، قام حاكم قطر في حينه- المغفور له- الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني بعد مغادرة الأتراك ، بإعادة استخدام العلم الأحمر الأرجواني الذي رفع للمرة الأولى في معركة مسيمير 1851.

• عام 1916 و بعد ما يُقارب قرناً من الزمان على توقيع دول الساحل المتصالح اتفاقية الحماية مع الحكومة البريطانية، وقعت قطر اتفاقية قطرية بريطانية في نوفمبر 1916 مع السير بيرس كوكس ، المقيم السياسي في الخليج وبذلك أصبحت قطر عضوا في إمارات الساحل المتصالح ، إلا أن قطر لم ترفع علم الهدنة ، ، بل استمرت في رفع علم قطر الأحمر الأرجواني الذي أعاده الشيخ عبدالله بن جاسم- رحمه الله-.

علم قطر الجديد

• في أبريل من عام 1932، قررت البحرية البريطانية أن يكون لقطر علم مميِّز لها ، فتم اقتراح أن يكون العلم القطري باللون الأحمر ، ولكن بتسعة رؤوس (قطر العضو التاسع في اتفاقية الساحل المتصالح) ، ولكن قطر رفضت استخدام اللون الأحمر ،و استبدلته بلونها الأحمر الأرجواني الذي تفتخر وتعتز به على مرِّ التاريخ ،و أبقت على الرؤوس التسعة مع إضافة الماسات ذات اللون الأحمر الأرجواني تفصل بين كل رأس، و آخر، كما أضافت اسم قطر باللون الأبيض على الخلفية الحمراء الأرجوانية.
• لم تقبل بريطانيا بلون هذا العلم ، للاعتقاد بأن اللون الأحمر هو المعتاد لأعلام العرب والمسلمين ، وأن اللون الأحمر الأرجواني لون غير عادي للأعلام ، ما حدا بالحكومة البريطانية - في بادئ الأمر - إلى طلب تغيير اللون الأحمر الأرجواني باللون الأحمر .
• لم تعر قطر إذناً صاغية للحكومة البريطانية، وعليه ظل اللون الأحمر الأرجواني مُعتمَداً في علم قطر ، وبحسب ما ذهب إليه إيريك إنجيل فيلد ، في 1940م ، فقد تبنّت قطر لوناً أرجوانيا أحمر ، مستخلصا من صبغ طبيعي أحمر.
• وفي عام 1960 ، قام حاكم قطر في حينه الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني -رحمه الله- ،بتغيير طفيف حيث أبقى اللونين الأبيض، و الأحمر الأرجواني و الرؤوس المسننة ،ولكن من دون كلمة قطر ،و الماسات . وظلت قطر - منذ ذلك الحين - ترفع العلم الحالي.
• ولذلك فإن الجزء الأحمر الأرجواني في علم قطر ، يتوافق مع تاريخ قطر، وبيئتها وبُعدها الحضاري ، وكان إصرار القطريين على رفعه من هذا المنطلق.

انضمام قطر للأمم المتحدة

في العام 1971 ، انضمت قطر للأمم المتحدة ،وذلك في أعقاب إلغاء اتفاقية الحماية البريطانية. ورفع علم قطر بلونيه التاريخيين الأحمر الأرجواني ،و الأبيض.

لدعم (الأدعم)

• بعد أربعين عاماً ، في أوائل عام 2012 ، وجه سمو أمير الدولة ، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني- حفظه الله - بضرورة إصدار تشريع يحدد لون العلم ومواصفاته الفنية، ونظامه البروتوكولي ، تماشيا مع دستور الدولة الذي يذكر في الباب الأول :"الدولة و أسس الحكم" المادة 3: يحدد القانون علم الدولة وشعارها، وأوسمتها، وشاراتها، ونشيدها الوطني.

الفيلم الوثائقي لدعم:


 

قطر: معركة الوجبة


فتح المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني رحمه الله قلبه وبلاده للدولة العثمانية وسمح للحامية العثمانية بدخول البلاد في يوليو 1871 إيمانا منه بالخلافة والجامعة الاسلامية ولصد النفوذ البريطاني المتزايد في ذلك الوقت. وقد لجأت بريطانيا إلى خلق الكثير من المشاكل للشيخ جاسم، مع جيرانه، ومارست الكثير من الضغوط عليه؛ فتارة تتهمه بالقرصنة البحرية، وتارة أخرى تتهمة باضطهاد رعاياها التجار ، ولكن كل تلك الضغوط لم تثن الشيخ جاسم عن سياسته مع الدولة العثمانية، ورفضه الحماية البريطانية، وبدلاً من أن تقوم الدولة العثمانية بتوثيق علاقتها بحاكم قطر الشيخ جاسم، وتقف إلى جانبه ضد المخططات البريطانية التي تستهدف القضاء على علاقة البلدين قطر والدولة العثمانية، عملت على تخريب العلاقات مع الشيخ جاسم بالقيام ببعض الاستحداثات التي لا تخدم المصلحة الوطنية تمثلت في إنشاء دائرة للجمارك وفرض الضرائب على التجار، وكذلك فرض الضرائب على بيع اللؤلؤ، وقد عارض الشيخ جاسم تلك الإجراءات العثمانية التي رأى أنها ستؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على المواطنين وقد يدفعهم ذلك إلى الهجرة خارج البلاد. ولكن السلطات العثمانية أصرت على تنفيذ مخططها غير عابئة بما قد يترتب على الأوضاع المعيشية للمواطنين؛ لأنها كانت في حاجة للمال للإنفاق على قواتها العسكرية. وقد أدى هذا الإصرار التركي على تنفيذ سياستها إلى استقالة الشيخ جاسم من القائمقامية، وأبلغ والي البصرة محمد حافظ باشا في يناير 1893، بقراره بالاستقالة، ومع أن الوالي رفض الاستقالة وطلب من الشيخ الاستمرار في منصبه، فإن الشيخ لم يتراجع عن قراره، ونقل مقر إقامته من الدوحة إلى منطقة الضعاين، وبعد فترة انتقل إلى منطقة الوجبة. وصل والي البصرة محمد حافظ باشا، إلى الدوحة يوم 14 فبراير 1893، عن طريق الأحساء بدعوى إعادة الأمن في قطر إلى نصابه، واتخذ من القيادة العثمانية بالدوحة مقراً لإقامته. وبعد وصوله بعث برسالة إلى الشيخ جاسم الموجود في منطقة الوجبة، يدعوه للحضور إلى مقره للاستفسار عن الشكاوي التي تلقاها ضده من الإنجليز وغيرهم، لكن الشيخ الذي كان غير مطمئن لنوايا الوالي العثماني، اعتذر عن عدم الحضور قائلاً في رسالته الجوابية أن صحته لا تسمح له بالحضور وأنه قد أناب عنه أخاه الشيخ أحمد . ولكن الوالي اعتبر عدم تلبية الشيخ جاسم لدعوته بمثابة رفض وتمرد على الدولة العثمانية، فأقدم على اعتقال الشيخ أحمد والمرافقين له وعددهم 16 شخصاً. وفي يوم 13 مارس 1893، قاد الوالي العثماني قوة كبيرة وتوجه صوب الوجبة بقصد إلقاء القبض على الشيخ جاسم وتقديمه للمحاكمة، ولكن الشيخ جاسم كان قد علم بالاستعدادات التركية وبتحركها نحو مقره، وأعد قواته وزودها بالسلاح والذخيرة والمواد الغذائية والمياه، ووضعت في مواقع مهمة على الطرق التي سوف تسلكها القوات التركية، ونجحت خطته حيث وقعت القوات التركية في مصيدة قواته وأنزلت بالقوات المعتدية هزيمة ساحقة بعد معركة شرسة استمرت من الساعة العاشرة صباحا حتى الخامسة مساء، قتل فيها عدد كبير من القوات العثمانية كان يوسف أفندي قائد القوات العثمانية من بين القتلى، وفر الوالي محمد حافظ الذي كان في مؤخرة قواته إلى الباخرة التركية المريخ الراسية في ميناء الدوحة.
وكانت أهم نتائج معركة الوجبة أن سارع السلطان العثماني بعزل والي البصرة حافظ باشا بسبب سياسته الحمقاء التي ألحقت المهانة بالدولة العثمانية على نحو لم يكن مقدراً مما كشف عن فشل سياستها لذلك لم تلبث أن أجرت تحقيقاً، انتهى بأن قرر السلطان عبد الحميد تقديره لشخص الشيخ جاسم بن محمد حق قدره، لتوضيحه موقفه وتمسكه بالدولة العثمانية رغم كل ما حدث.

قطر: حبه للعلم والعلماء

مادة منقولة من بحث مشترك بعنوان القيم الدينية عند الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني من خلال علاقته بعلماء نجد قام به الاستاذ الدكتور خالد بن علي بن احمد الوزان أستاذ واستشاري في كلية طب الأسنان، جامعة الملك سعود، وعضو المجلس العلمي بها، والباحث في التاريخ النجدي، الأستاذ عبدالله بن بسام بن عبدالله البسيمي. ندوة المؤسس، احتفالات اليوم الوطني 2008

عرف عن الشَّيخ جاسم حبه الشديد للعلم والعلماء، فطبع على نفقته الكتب التي تدافع عن الدعوة وتردّ على مناوئيها، واشترى عددا آخر من الكتب المطبوعة في نفس المجال، ووزعها مجاناً على طلبة العلم في شتى الأقطار الإسلامية.
وفي مجال دفاعه عن الدعوة طلب من الشيخ عيسى بن عكاس في سنة 1298هـ/1881م أن يرد على محمد بن عبدالله الفارسي في ثلاث مسائل تتعلق بصفات الله عز وجل، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والاستغاثة بالأنبياء والأولياء.( ) ومن ذلك طباعته لكتاب (فتح المنَّان تتمة منهاج التَّأسيس رد صلح الإخوان)، تأليف الشَّيخ محمود شكري الآلوسي، على نفقته في بومباى بالهند، سنة 1309هـ/1892م،( ) ثم أوقف نسخه ووزعها على العلماء وطلبة العلم، وهذا الكتاب هو إتمام لكتاب (منهاج التَّأسيس) للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ (ت 1293هـ/1876م)،( ) الذي وافته المنية قبل أن يتمه. وقد أرسل الشيخ جاسم مائة نسخة من الكتاب إلى الشيخ الآلوسي مرفقة مع رسالة مؤرخة في 11/10/1310هـ (28/4/1893م).( )


كما أنَّ الشَّيخ جاسم اشترى مجموعة من نسخ كتاب (التَّوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق)( ) ثم أوقفها ووزعها على العلماء وطلبة العلم، وهذا الكتاب يتناول توضيح حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتصحيح ما أثير حولها من شبهات. ومن جهوده في هذا المجال طباعة وتوزيع الكتب التي تشرح عقيد السلف مثل كتاب (الإيمان)، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، و(الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)، له أيضاً، و(الدين الخالص)، لصديق حسن خان، وغيرها.


كان المؤسس رحمه الله يستقطب العلماء وطلبة العلم من أهل السنة من نجد وغيرها للقيام بتدريس العلوم الشَّرعيَّة في المساجد، والقيام بأمر الدَّعوة إلى الله، وتوجيه الناس،ومن هؤلاء العلماء عالم الأحساء وقاضيها الشيخ عيسى بن عبدالله بن عكاس (ت 1338هـ/1920م)،( ) والشيخ يعقوب بن يوسف (1375هـ/1955م)،( ) وعدد من العلماء الذين عينهم ففي منصب القضاء مثل الشيخ محمد بن حمدان الذي تولى القضاء فيها سنة 1285هـ/1868م إلى سنة 1310هـ/1893م، ثم عين بعده الشيخ عبدالله بن أحمد بن درهم من أهل حوطة بني تميم ولا يخفي دور القضاة في ذلك الوقت في تدريس العلوم الشرعية وتوجيه الناس. كما قام الشيخ جاسم بابتعاث بعض طلبة العلم القطريين للدراسة على علماء نجد وأئمة الدعوة، ومن هؤلاء الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن درهم الذي ابتعثه سنة 1313هـ/1895م، لتلقى تعليمه على يد العلامة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ حولاً كاملاً.


لقد أثمرت جهود الشيخ جاسم، إذ كانت كالغيث الذي أصاب أرضاً طيبة، فكان من نتائج ذلك أن ازداد تمسك القطريين بدين الإسلام، وعقيدة أهل السُّنة، ولذا عدمت مظاهر الانحراف في شرك العبادة عندهم إلى يومنا هذا. يقول الأديب المؤرخ سليمان بن صالح الدخيل (ت 1364هـ/1945م) عن قطر واصفاً سكانها قُبيل وفاة الشَّيخ جاسم: (وهي مدينة متوجهة إلى التقدم بفضل شيخها الشيخ جاسم بن ثاني وأهلها كلهم على مذهب السَّلف وأحكامهم شرعية ولا يوجد عندهم الأشياء المضرة بالدين المخالفة لآدابه الشريفة)، وقال أيضاً: (وأهل قطر اليوم من أحسن البلاد العربيَّة تمسكاً بالدين الحنيفي وآدابه، فإنه لا توجد عندهم خرافات القبوريين، ولا شيء من البدع أو المفسدات أو الأمور المخلة بالآداب.)


يتضح مما تقدم أنَّ الشيخ جاسم كان من أئمة الدعوة ، جاهد في نشرها بنفسه وماله، وكان له جهود فاعلة في نصرتها والذب عنها، وقد ربى أبناءه وأحفاده على ذلك، فسلكوا مسلكه في تقريب العلماء ، وطباعة الكتب، وخدمة العلم وأهله.


أوقافه وطباعتة الكتب لطلبة العلم
لقد أدرك الشيخ جاسم أهمية الأوقاف في الإسلام، ودورها الاجتماعي والثقافي في رعاية الفقراء وطلبة العلم وصيانة المرافق الدينية ودعم وظائفها، فحرص على التصدق بأصول العقارات لصالح عدد من المنافع العامة، وذلك نحسبه والله حسيبه من باب التعبد والتقرب إلى الله سبحانه، ورغبة منه لنيل أجر الصدقة الجارية.


قال المؤرخ سليمان بن صالح الدخيل عن الشيخ جاسم: (وله أوقاف كثيرة في كل البلاد العربية فمن ذلك أن له أربعة أوقاف كبيرة في نجد، وأربعة مثلها في المذنب ومثلها في الأحساء وفي القصيم والبحرين وقطر وغيرها، وهذه كلها تصرف على ما جاء به الشرع الشريف.) ولارتباط الشيخ جاسم الوثيق بنجد وحبه لأهلها فقد أوقف فيها عدداً غير قليل من الأوقاف، عرفنا منها أوقافاً في الدِّرعية، والرِّياض، وحريملاء، والدِّلم، وحوطة بني تميم، وشقراء، وأثيثية، والمذنب، والعِقْلَة. ولا يزال، بفضل الله، ريع عدد غير قليل منها مستمراً إلى اليوم، مستغلاً بالصرف على الجهات التي عينها، ويقوم بنظارة أوقافه اليوم عدد من القضاة أو الوكلاء.


وكان رحمه الله يصرف واردات أوقافه على الجوامع والخطباء والأئمة والمؤذنين والمدرسين وطلبة العلم من أهل السنة ورعاية الفقراء وإفطار الصائمين.
كذلك سعى الشيخ إلى تزويد طلبة العلم بنوادر كتب التراث من خلال ما كان يطبع في الهند وغيرها، وكان تركيزه في توزيع الكتب منصباً على طلبة العلم من أهل نجد، فكان يرسل تلك الكتب إلى العلماء الأعلام في نجد وخاصة في مواطن العلم المعتبرة في زمانه كالرياض وحائل وغيرها، فكان من نتائج ذلك أن كوَّن بعض طلبة العلم مكتباتهم الخاصة، خاصة وأنَّ الكتب التي كان يوقفها الشيخ جاسم شملت شتى علوم الدين، كالعقيدة وعلوم الحديث والفقه وغيرها من العلوم. ويلحظ الباحث في قائمة الكتب التي وقفنا عليها أثناء البحث دقة اختيار الشيخ جاسم للكتب من حيث التخصص وأهمية الكتاب في التخصص ذاته، فانصب اهتمام الشيخ بشكل واضح على كتب العقيدة والحديث بينما أخذت كتب العلوم الشرعية الأخرى حيزاً أقل من وقفياته.



وجهود الشيخ جاسم في طباعة الكتب وتوزيعها تتم على الرغم من الرقابة الشديدة على حركة النشر، والسيطرة على حركة توزيع المطبوعات المتعلقة بعقيدة السلف بين أقطار الخليج والعالم الإسلامي التي تمارسه في تلك الفترة بريطانيا من جهة، والدولة العثمانية من جهة أخرى.( ) ولا تكاد تخلو، في تلك الفترة، مكتبة علمية في بلدان نجد من الكتب التي أوقفها الشيخ جاسم، وقد وقفنا على عدد غير قليل منها دوِّن على أغلفتها وقفيته بخطوط عدد من العلماء والأعيان من نجد، واستقصاء ذلك يطول فحسبنا أن نذكر بعض الأمثلة.


فمن كتب التفسير:
جامع البيان في تفسير القرآن، لمحمد بن جرير الطبري، في عشر مجلدات، وفي هامشه تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، للحسن بن محمد النيسابوري.( ) جامع البيان في تفسير القرآن، تأليف الشيخ معين الدين بن صفي الدين. وبهامشه كتاب إكليل في استنباط التنزيل، للحافظ عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، وفي آخره عدة رسائل منها: فوائد مستنبطة من سورة النور لشيخ الإسلام ابن تيمية، والرد على الجهمية، للإمام أحمد بن حنبل، ورسالة في القرآن لابن تيمية، وفوز الكبير في أصول التفسير لشاه ولي الله بن عبدالرحيم، وغيرها.
ومن كتب الحديث:
سنن الدارقطني، للحافظ علي بن عمر الدارقطني، مع التعليق المغني، لشمس الحق العظيم أبادي.


المعجم الصغير للطبراني، لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، وملحق به كتابان هما: الأدب المفرد، للإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري، والمسند للإمام الشافعي. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. تأليف أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر. تأليف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري. تأليف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. مجالس الأبرار.


ومن كتب الفقه:
المقنع. لابن قدامة. طبعه الشيخ جاسم.


سبل السلام شرح بلوغ المرام، تأليف محمد بن إسماعي الصنعاني.
المجاميع:
مجموع به ست رسائل هي: المكتوب اللطيف إلى المحدث الشريف، للعلامة أبي الطيب شمس الحق، وقصائد للقاضي محمد خان طلا، الكلام على سنة الجمعة لابن الملقن، فتح الوهاب للشيخ عبداللطيف، مناسك الحج لمحمد بن إسماعيل الأمير اليمني، مناسك الحج لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية.
ومجموع يضم ثلاثة كتب هي: منظومة ابن فرح الأشبيلي، ومختصر عمدة الأحكام من كلام سيد الأنام، وإحكام الأحكام شرح أحاديث سيد الأنام. وهو في جزأين كبيرين.
ثناء علماء نجد عليه
لقد عرف علماء نجد وشعراؤها ومؤرخوها علو شأن الشيخ جاسم، وجهاده وتضحيته في سبيل تحقيق القيم الإسلامية التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف، وثباته على الحق رغم ما شهدته المنطقة من صراعات فكرية وسياسية، فكثر ثناؤهم عليه نثراً وشعراً بما يصعب حصره، نكتفي منه بما يدل على المقصود.


قال الأديب المؤرخ سليمان بن صالح الدخيل عن الشيخ جاسم: (وهو على جانب عظيم من التقوى ومخافة الله... وبالجملة فهو من النابغين في الأمة العربية العاملين لسعادة الدين والوطن). إلى أن قال: (وهو الأمير في هذه البلاد وهو الخطيب يوم الجمعة وهو القاضي والمفتي والحاكم. ومن صفاته أنه إذا خطب أذهل السامعين وجلب قلوبهم إليه، وإذا أعطى فعطاياه جزيلة، وبالجملة فهو من أركان العربية وأنصارها ومن رجال الإسلام وفحوله، وهو مسموع الكلمة في العرب مهاب عند الرؤساء والأمراء نافذ القول، دأبه الإصلاح ولم يسع في أمر إلا وقد أتمه الله على يديه).


وقال الشيخ سليمان بن سحمان في قصيدة جوابية أرسلها إلى الشيخ جاسم، يهنئه فيها على
انتصاره على الأتراك سنة 1310هـ/1893م:
وقد خصك الرحمن منه برحمة فأعلى بك الإسلام بعد التضاؤل همام إذا لاقى العداة سميدع أخي ثقة عند الأمور الجلائل


وقال في قصيدة أخرى يهنئه فيها بانتصاره في إحدى المعارك:


هنيئاً هنيئاً نصر كل موحد وعز ذوي الإسلام من كل شاكر أما الشاعر المفوه الأديب الشيخ محمد بن عبدالله بن عثيمين فقد كانت تربطه مع الشيخ جاسم صداقة حميمة، وقد رثاه بقصيدتين، ذكر فيهما بعض خصاله، التي منها مكارمه وشجاعته، وحمايته للمستجير، وعطفه على الأيتام والفقراء والمعوزين، وذكر عظم المصيبة بفقده، وتحسَّر كثيراً على فراقه، منها قوله:


نَعَيْت امْرأ للبر والدين سعيُهُ وللجود والمعروف ما هو كاسبه أما الأديب الشيخ حسين بن علي بن نفيسة، فقد رثى الشيخ جاسم، وقدم لمرثيته بكلمة قصيرة أثنى فيها عليه، قال فيها: (هذه مرثية في شمس الفضائل، ومنتهى الأماني، الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، مؤيد الدين، وحتف المعتدين، شيخ قطر). وذكر في المرثية خصال الشيخ الحميدة من أداء المغارم، والكرم والسخاء، وتلطفه لأهل الخير، ورأفته بالفقراء، وتقاه ومخافته لله، وشجاعته في الحروب، وقيادته للجيوش، ومما جاء فيها قوله: فآه وآه بعد جاسم ذي الندى مجيب الندى للصارخ إذ يتلهف حنانيك من للدين أرسى دعائماً لطلابه يقري ويثري ويكهف وقال الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع: (وفي 20 شعبان سنة 1331 بلغنا ونحن بالبحرين وفاة الشيخ جاسم بن ثاني في قطر، وكانت وفاته يوم الخميس 13 من شعبان سنة 1331 وهو من أكابر الرجال المحسنين، وأوصى بأموال كثيرة تُفَرَّق بعد موته، منها عشرة آلاف ربية للشيخ عبدالله بن عبداللطيف، وبقيت وصيته نصَّ على أن تكون لأهل التوحيد. رحمه الله تعالى وغفر له).


وقال المؤرخ الشيخ عبدالرحمن بن محمد الناصر: (كان ورعاً، تقياً، صادقاً، جواداً، ذا سيرة حسنة، حسن السمت، حسن الاعتقاد، على مذهب الإمام المبجل أبي عبدالله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وكان فيه محبة لمجدد الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولأنجاله، ولمن آواهم ونصرهم، يرى رأيهم ويقول بقولهم ويدين بدينهم، مع ما أظهره من كرامتهم، أعتق أكثر من خمسين مملوكا، وكان ينفق غالب غلاته على طلبة العلم من أهل السنة... وفضائله أشهر من أن تذكر، ومناقبه أكثر من أن تحصى فرحمه الله تعالى وعفا عنه).

قطر: تفريج الكروب و إغاثة الملهوفين

مادة منقولة من بحث بعنوان علاقة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني بالدولة العثمانية قدمه الدكتور زكرياقورشون رئيس قسم التاريخ في جامعة مرمرة في إستانبول ومتخصص في التاريخ السياسي للشرق الأوسط. عضو جمعية التاريخ التركي وجمعية التاريخ العسكري التركي ورئيس جمعية الباحثين في دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في تركيا. ندوة المؤسس، احتفالات اليوم الوطني 2008

أعتلى السلطان عبد الحميد الثانى العرش سنة 1876م، وهو يعد واحدا من أهم دهاة السياسة في التاريخ الحديث، قد أدرك أهمية الشيخ جاسم وسياسته في فترة وجيزة، ولهذا السبب لم يهتم بالشكاوى المستمرة التى قدمها موظفو البصرة والأحساء والتقارير التى قدمها الإنجليز بصفة مستمرة ضد الشيخ جاسم، وعلى الرغم من تحريض الانجليز وأصحاب المصلحة من الموظفين في بعض الاحيان، لم يقع السياسيان الذكيان في هذا الفخ، ويمكننا مشاهدة هذا الأمر في العديد من الأحداث، وعلي سبيل المثال فقد شكا والى البصرة الشيخ جاسم إلى السلطان عبد الحميد بسبب التدابير التى أخذها بعد الخلافات التى ظهرت بين تجار المنطقة وأهالى قطر سنة 1883 م، ولكنه لم يحصل على نتيجة من هذه الشكوى، وفي السنة التالية لما عزم الشيخ جاسم على الذهاب إلى الحج، عرف والى البصرة أن هذه فرصة واقترح تعيين قائمقام آخر في قطر أثناء غياب الشيخ جاسم وانشغاله في فترة الحج، ولكن السلطان عبد الحميد الثانى رفض هذا الاقتراح، غير أن أصحاب النوايا السيئة لم يكفوا عن إرسال الأكاذيب والمعلومات الخاطئة عن الشيخ جاسم إلى استانبول، وبعد ذلك حدثت مباحثات طويلة في مجلس شورى الدولة في استانبول سنة 1886م، وظهر منها أن كل المعلومات كانت خاطئة، وقُدم تقريرًا طويلاً إلى السلطان، وبعد هذا عزل السلطان عبد الحميد الثانى نزيه بك الذي قدم تقارير ضد الشيخ جاسم، وأظهر مقدار ثقته في الشيخ جاسم.

وهناك مثال آخر يظهر أن العلاقة بين السلطان عبد الحميد الثانى والشيخ جاسم كانت قائمة على التقدير والتوقير، فرغم شكاوى الموظفين في المنطقة الذين اقنعوا متصرف الأحساء بتقاريرهم الزائفة التي رفعها بدورة إلى استنابول حيث كانوا يتآمرون بشدة لعزل الشيخ جاسم، لكن السلطان عبد الحميد الثانى الذى فحص هذا الأمر قد أصدر في هذه المرة قرارًا لصالح الشيخ جاسم، وحتى يظهر السلطان عبد الحميد تقديره لدهاء الشيخ جاسم السياسي، منحه رتبة مهمة وهى رتبة «قبوجى باشى» التى تعطى لأكابر الدولة وعبر له عن تقديره لشخصه.
إن المثالين السابقين يوضحان أن الشيخ جاسم كان رجلا من رجالات الدولة العثمانية لا يمكن الاستغناء عنه، لاسيما أنه قد حدث خلاف بين الكثير من أمراء المنطقة والدولة العثمانية في فترات مختلفة وكان هذا سببا في حدوث وقائع أليمة.


لقد نجح الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني في عمل توازن بين الدولة العثمانية والإنجليز ، فهو يختلف عن الزعماء الآخرين الموجودين بالمنطقة فهو لم يسلم قيادته إلى الإنجليز مطلقاً، و لهذا، أصرت الدولة العثمانية على التعديلات التي تحقق الاستقلال لقطر في المعاهدة العثمانية الإنجليزية سنة 1913م رغم معارضة الإنجليز الشديدة لها.


وطبقا لإفادة كل الشهود الذين عرفوا الشيخ جاسم شخصيا فإنه كان شخصا شجاعا كريما ورحيما يتصف بالصفات المطلوبة في أي أمير، ولكن يجب ألا ننسى أن الدولة العثمانية لم تهتم بتلك الصفات فحسب، بل اهتمت بسياسته ودرايته العميقة بشئون المنطقة، حيث كان له دور في الأحداث التي وقعت في المنطقة إما بالوساطة لدى الدولة العثمانية أو بمنعها من التدخل المباشر، وهكذا منع سفك دماء الكثير من المسلمين وحمى شرف خليفتهم، ولقد عاصر الشيخ جاسم ثلاثة من سلاطين الدولة العثمانية، ونال تقدير كل منهم، فهو واحد من الأمراء النادر وجودهم، ولا جرم في أن أساس سياسته كان وسيلة لظهور دولة قطر الحديثة، ففي الاتفاقية الإنجليزية- العثمانية التى عقدت سنة 1913 م والمنظمة لشؤون خليج البصرة (الخليج العربي)، كانت إمارة قطر هى الإمارة الوحيدة التى دافعت الدولة العثمانية عن حقها في تقرير مصيرها، واضطر الإنجليز لقبول هذا، ذلك لأنه كان هناك اعتقاد بأن شيخ قطر وشعبه لديهم القدرة على القيام بهذا الدور. وبتعبير آخر فإن هذا الإصرار العثماني قد هيأ الظروف لظهور دولة قطر الحديثة علي الساحة الدولية.

قطر: علاقة المؤسس بالسلطان عبدالحميد، سلطان الدولة العثمانية

مادة منقولة من بحث بعنوان علاقة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني بالدولة العثمانية قدمه الدكتور زكرياقورشون رئيس قسم التاريخ في جامعة مرمرة في إستانبول ومتخصص في التاريخ السياسي للشرق الأوسط. عضو جمعية التاريخ التركي وجمعية التاريخ العسكري التركي ورئيس جمعية الباحثين في دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في تركيا. ندوة المؤسس، احتفالات اليوم الوطني 2008

أعتلى السلطان عبد الحميد الثانى العرش سنة 1876م، وهو يعد واحدا من أهم دهاة السياسة في التاريخ الحديث، قد أدرك أهمية الشيخ جاسم وسياسته في فترة وجيزة، ولهذا السبب لم يهتم بالشكاوى المستمرة التى قدمها موظفو البصرة والأحساء والتقارير التى قدمها الإنجليز بصفة مستمرة ضد الشيخ جاسم، وعلى الرغم من تحريض الانجليز وأصحاب المصلحة من الموظفين في بعض الاحيان، لم يقع السياسيان الذكيان في هذا الفخ، ويمكننا مشاهدة هذا الأمر في العديد من الأحداث، وعلي سبيل المثال فقد شكا والى البصرة الشيخ جاسم إلى السلطان عبد الحميد بسبب التدابير التى أخذها بعد الخلافات التى ظهرت بين تجار المنطقة وأهالى قطر سنة 1883 م، ولكنه لم يحصل على نتيجة من هذه الشكوى، وفي السنة التالية لما عزم الشيخ جاسم على الذهاب إلى الحج، عرف والى البصرة أن هذه فرصة واقترح تعيين قائمقام آخر في قطر أثناء غياب الشيخ جاسم وانشغاله في فترة الحج، ولكن السلطان عبد الحميد الثانى رفض هذا الاقتراح، غير أن أصحاب النوايا السيئة لم يكفوا عن إرسال الأكاذيب والمعلومات الخاطئة عن الشيخ جاسم إلى استانبول، وبعد ذلك حدثت مباحثات طويلة في مجلس شورى الدولة في استانبول سنة 1886م، وظهر منها أن كل المعلومات كانت خاطئة، وقُدم تقريرًا طويلاً إلى السلطان، وبعد هذا عزل السلطان عبد الحميد الثانى نزيه بك الذي قدم تقارير ضد الشيخ جاسم، وأظهر مقدار ثقته في الشيخ جاسم.

وهناك مثال آخر يظهر أن العلاقة بين السلطان عبد الحميد الثانى والشيخ جاسم كانت قائمة على التقدير والتوقير، فرغم شكاوى الموظفين في المنطقة الذين اقنعوا متصرف الأحساء بتقاريرهم الزائفة التي رفعها بدورة إلى استنابول حيث كانوا يتآمرون بشدة لعزل الشيخ جاسم، لكن السلطان عبد الحميد الثانى الذى فحص هذا الأمر قد أصدر في هذه المرة قرارًا لصالح الشيخ جاسم، وحتى يظهر السلطان عبد الحميد تقديره لدهاء الشيخ جاسم السياسي، منحه رتبة مهمة وهى رتبة «قبوجى باشى» التى تعطى لأكابر الدولة وعبر له عن تقديره لشخصه.
إن المثالين السابقين يوضحان أن الشيخ جاسم كان رجلا من رجالات الدولة العثمانية لا يمكن الاستغناء عنه، لاسيما أنه قد حدث خلاف بين الكثير من أمراء المنطقة والدولة العثمانية في فترات مختلفة وكان هذا سببا في حدوث وقائع أليمة.


لقد نجح الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني في عمل توازن بين الدولة العثمانية والإنجليز ، فهو يختلف عن الزعماء الآخرين الموجودين بالمنطقة فهو لم يسلم قيادته إلى الإنجليز مطلقاً، و لهذا، أصرت الدولة العثمانية على التعديلات التي تحقق الاستقلال لقطر في المعاهدة العثمانية الإنجليزية سنة 1913م رغم معارضة الإنجليز الشديدة لها.


وطبقا لإفادة كل الشهود الذين عرفوا الشيخ جاسم شخصيا فإنه كان شخصا شجاعا كريما ورحيما يتصف بالصفات المطلوبة في أي أمير، ولكن يجب ألا ننسى أن الدولة العثمانية لم تهتم بتلك الصفات فحسب، بل اهتمت بسياسته ودرايته العميقة بشئون المنطقة، حيث كان له دور في الأحداث التي وقعت في المنطقة إما بالوساطة لدى الدولة العثمانية أو بمنعها من التدخل المباشر، وهكذا منع سفك دماء الكثير من المسلمين وحمى شرف خليفتهم، ولقد عاصر الشيخ جاسم ثلاثة من سلاطين الدولة العثمانية، ونال تقدير كل منهم، فهو واحد من الأمراء النادر وجودهم، ولا جرم في أن أساس سياسته كان وسيلة لظهور دولة قطر الحديثة، ففي الاتفاقية الإنجليزية- العثمانية التى عقدت سنة 1913 م والمنظمة لشؤون خليج البصرة (الخليج العربي)، كانت إمارة قطر هى الإمارة الوحيدة التى دافعت الدولة العثمانية عن حقها في تقرير مصيرها، واضطر الإنجليز لقبول هذا، ذلك لأنه كان هناك اعتقاد بأن شيخ قطر وشعبه لديهم القدرة على القيام بهذا الدور. وبتعبير آخر فإن هذا الإصرار العثماني قد هيأ الظروف لظهور دولة قطر الحديثة علي الساحة الدولية.

قطر: المؤسس و حروب البلقان

لاشك بأن المتغيرات السياسية التي حدثت في عاصمة الدولة العثمانية خلال السنوات الأولى من القرن العشرين وقبل الحرب العالمية الأولى من إعلان النظام الدستوري في عام 1908 وخلع السلطان عبدالحميد الثاني في عام 1909 ووصول جمعية الاتحاد والترقي إلى السلطة والاحتلال الايطالي لليبيا، وبعدها حروب البلقان كانت لها انعكاسات كبيرة في الولايات العربية العثمانية. ولقد برز موقف الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني من حروب البلقان من خلال المشاركة والمساهمة المباشرة بدعم حملة الإعانات الحربية لصالح الدولة العثمانية، فقد لبى الشيخ جاسم دعوة السيد طالب النقيب مبعوث ولاية البصرة لمجلس المبعوثان العثماني، وناظر لجنة الاعانات الحربية في البصرة خلال حروب البلقان، فتبرع بمبلغ قدره 25 ألف روبية أي ما يعادل 1832 ليرة عثمانية للمجهود الحربي العثماني.

وفي هذا الصدد ، فقد أرسل الشيخ جاسم بتاريخ 10 مارس 1913 تلغرافا مختصراً إلى وزارة الداخلية العثمانية يوضح دعمه للدولة العثمانية بالمال في حربها ضد دول البلقان جاء فيه: «بناءاً على تشويقات عطوفيت السيد طالب بك ناظر قومسيون إعانات الحربية في البصرة، قدمنا ألف وثمانماية واثنين وثلاثين ليرة عثمانية، المرجو عرض ذلك لأعتاب الخلافة الإسلامية».

وقد أيد السيد طالب النقيب موقف الشيخ جاسم وأهالي قطر ذوى الحمية في المساهمة بجمع الإعانات الحربية بتلغراف أرسله هو الآخر في نفس التاريخ وباللغة التركية إلى وزارة الداخلية العثمانية، راجيا إياها بذل المساعي اللازمة لإستصدار التقدير المناسب من مقام السلطان للشيخ جاسم تكريماً لموقفه ومساهمته في هذا المجال.

ولعل من أبرز نتائج حروب البلقان في منطقة الخليج عامة وفي قطر خاصة هو إضطرار الدولة العثمانية إلى تسوية الخلافات السياسية العالقة مع بريطانيا في خليج البصرة والتخلي عن سيادتها على قطر والكويت من خلال عقد إتفاقية لندن بتاريخ 29 تموز 1913 في وقت كانت الدولة العثمانية تخوض فيه حروب البلقان وفي ظروف كانت قطر ومنطقة الخليج تشهد ذروة التنافس السياسي بين بريطانيا والدولة العثمانية.

وعلى الرغم من تعهد الدولة العثمانية بالإنسحاب من قطر وفق الاتفاقية المذكورة، إلا أنها استطاعت أن تجعل بريطانيا توافق على إبقاء إدارة قطر كما كانت بأيدي الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني وأبنائه من بعده وفي الختام وفي صدد شخصية الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ومواقفه من الاحداث التي عاصره يمكن القول بان المؤرخون قد يختلفون في تحليلهم لمواقف الشيخ جاسم طوال حياته من المتغيرات السياسية والعسكرية التي وقعت في قطر والمنطقة نتيجة اختلاف مصادر المؤرخين وخلفياتهم الثقافية والفكرية.

ولكن ما لا يختلف عليه إثنان من المؤرخين هو أنهم أمام شخصية قيادية تاريخية قطرية قوية مؤمنة حريصة على الجامعة الاسلامية مؤثرة في مجريات الاحداث في عصره سواء على الصعيد المحلي او الاقليمي وفي قرارات القوى العظمى التي كانت لها صلات مباشرة بقطر وبالمنطقة خلال عهده.

مادة منقولة من بحث بعنوان موقف الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني من حروب البلقان قام به الاستاذ الدكتور : سنان معروف أوغلو الأستاذ المشارك» في برنامج التاريخ - كلية الآداب والعلوم (جامعة قطر)، ندوة المؤسس، احتفالات اليوم الوطني 2008

قطر: أهمية اليوم الوطني

اليومُ الوطنيّ يومٌ مجيدٌ مُشرِق نَرفع فيه أسمى آياتِ المَحبّة والعِرفان لأهلنا - أهلِ قطَر - عندما تَعاضَدوا وتَكاتَفوا فيما بينهم، وأخلَصوا الولاءَ والطاعةَ للشيخ جاسم بن محمّد آل ثاني؛ محقِّقينَ بذلك أمرَ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالى "يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الأمرِ منكُمْ"؛ مؤمِنينَ بالشيخ المؤسِّسِ أبًا، وأخًا، وقائدًا، وإماما. كيفَ لا، وقد وجَدوا فيه زعيمًا مُتحلِّيًا منذ شبابه بالتَّقوى والشجاعة وروحِ الفداء وحكمةِ القيادة؛ وبالحرْص على توحيد شبْه الجزيرة القطَريّة، ورعايةِ مصالح أهلها في أحد أحلَك الأزمِنة التي مرّت بها هذه المنطقةُ من العالم. فقد كان زمنَ وُقوع حروبٍ قبَليّة في البرّ وعمليّاتِ قرصَنةٍ ونهْب في البحر، وزمنَ تراجُع السّلطنة العثمانيّة وذُبولِ قوّتها؛

اليومُ الوطنيّ يومٌ مجيدٌ مُشرِق نَرفع فيه أسمى آياتِ المَحبّة والعِرفان لأهلنا

مثلما كان زمنَ تَعاظُم قُدُرات الإمبراطوريّة البريطانيّة في المنطقة، وتبدُّلِ المصالح والولاءات، وتجدُّدِ الصراعات والفوضى في الجزيرة العربيّة ومنطقة الخليج. لكنّ الشيخ جاسم بن محمّد آل ثاني واجَه تلك العواصفَ الشديدةَ والتغيُّراتِ العالميّةَ الكبيرة مستعينًا بالله، وبأهله - أهلِ قطَر - فأعانه اللهُ على تلك المَخاطِر والأزمات المتتاليّة وأهوالِها، وقيادةِ سفينة الوطن إلى برِّ الأمان. وقد أثبَت القطَريُّونَ أنهم مخلِصون، متعاوِنون، مضَحُّون، جاهَدوا طوالَ أكثرَ من نصف قرنٍ في سبيل الوحدة إلى أن أقاموا لهم وطنًا يَعتزّون به، وترعاه قيادةٌ تلتزم معهم العدلَ والشُّورى.

خاض الشيخ جاسم بن محمّد على رأس الفُرسانِ القطَريِّينَ معاركَ فاصلةً مع القوى الكبرى في تلك الأيام، محقِّقينَ ما لا يُمكِن تخيُّلُ إنجازِه بتلك الأعداد القليلة والإمكاناتِ المحدودة. ففي معركة الوَجْبةِ الخالدة مع الدولة العثمانيّة، تجلَّت تضحياتُهم وعزيمتُهم المعقودةُ على رفْع الظلم عن كَواهِلهم، وعلى إنقاذِ إخوانهم وأبنائهم من الأسْر؛ مثلما تجلّت البراعةُ المذهِلة لقيادة الشيخ جاسم في اتّخاذ القرارات وإدارة الصراع، ومن ثمَّ في استثمار النصر لخَير البلاد والعِباد. كان للقيادة الحكيمة عمقُ البصيرة، وللشعب وقْفتُه الصادقة، فانتصَر القَطريُّونَ في السياسة وفي الحرب؛ وصارت معركةُ الوَجْبة مثالاً لحكمةِ القيادة، وعظَمةِ الشجاعة والولاء، في مواجهة الأوضاعِ العَصيبة.

فكان الشيخُ القائدُ يُعِدّ للمفاوضات عُدّتَها، فيما يُعِدّ للحرب عُدّتَها

قُبَيلَ تلك المعركة، عمِلَ الشيخ جاسم على إرسال المفاوِضينَ بالنِّيابة عن القبائل والعُلماء إلى الوالي العثمانيِّ في المنطقة، محاولاً بمختلِف الطُّرُق تجنُّبَ المواجهة العسكريّة وسفْكِ الدّماء بين المسلمين. لكنه كان يعرف طبائعَ التجبُّر وشخصيّةَ المتجبِّر، الذي قد لا يستجيب إلى العقل أو المنطق؛ ربما لأن قوّتَه تُوهِمه بالقدرة على إيقاع أكبر ضررٍ ممكن بشعب هذا البلد الصغير. فكان الشيخُ القائدُ يُعِدّ للمفاوضات عُدّتَها، فيما يُعِدّ للحرب عُدّتَها. ولما جارَ الوالي، وتجبَّر وتكبَّر، وجد نفسَه في خِضَمِّ حربٍ ضروسٍ وهزيمةٍ منكَرة؛ ولله الفضلُ والمِنَّة. وما يُحمَد عليه الشيخ جاسم أنه، بالرُّغم من ذلك كلِّه، أبقى على علاقةٍ وثيقة بالخلافة العثمانيّة في اسْطنبول؛ معتبِرًا أنها رمزٌ للوحدة الإسلاميّة، ومؤمِنًا بأنّ هذه الوحدةَ يجب أن تقوم على العدل والإنصاف، لا على الظّلم والقهر؛ وأن تعنيَ الأُخوَّةَ والتّعاضُدَ بين المسلمين، لا الاستبدادَ واستغلالَ الأمّة.

وكما تشهد أحداثُ ذاك الزمان ووثائقُه العديدة، كان الشيخ جاسم، رحِمَه الله، عميقَ الفهْم للقِيَم الإنسانيةِ النبيلة، راسِخَ الاقتناع بوُجوب إحقاق العدل ورفْع الظُّلم؛ ليس عن أهلِه القطَريِّينَ فحسْبُ، وإنّما أيضًا عن المظلومينَ، أيًّا كانوا وأينما كانوا؛ مؤمِنًا بأنّ الأَوْلى بالحماية همُ المضطهَدونَ في بُلدانهم، وأعزاءُ قومٍ ذُلّوا أو حَلَّت بهم نكَباتُ الدَّهر. وأثبتَ الإمامُ القُدوَةُ، بالأفعال لا بالأقوال، أنّ إعتاقَ المستعبَدين، وإطعامَ الجائعين، ومساعدةَ المحتاجين مبادىءُ تُطبَّق؛ وليست مجرّدَ شعاراتٍ تُرفَع. فقد أنفَق مبالِغَ طائلةً لإعتاق الكثيرِ الكثيرِ من العبيد؛ وأكرمَ أعدادًا لا تُحصى ممّن ضاقَت بهم سبُلُ العيش؛ وخصَّص جزءًا كبيرًا من أوقافه لمساعدة المُعْوِزين من قطَر إلى البصرة، وفي مدنِ الخليج والقُرى النَّجْدِيّة النائيّة.

تعلَّق الشيخ جاسم بن محمّد منذ صِباهُ بالعِلم والمعرفة، واعتبرهما من القِيَم الأساسيّة التي ينبغي له الاهتمامُ بها ورعايتُها



إلى جانب ذلك، تعلَّق الشيخ جاسم بن محمّد منذ صِباهُ بالعِلم والمعرفة، واعتبرهما من القِيَم الأساسيّة التي ينبغي له الاهتمامُ بها ورعايتُها. فقد سجَّل له التاريخُ العربيُّ والإسلاميُّ المجيد ما لم يُسجِّله إلاّ للقلائل، بعدَما جعل من الدَّوحة في زمنه منارةً لطلاّب العلم والمعرفة؛ مُزوَّدةً بجُموعٍ من كبار الفُقهاء والقُضاة في العالم الإسلامي. وبلَغ من حَفاوته بالعِلم أنه كان يَستقدِم من الهند ومصرَ كمّياتٍ هائلةً من نُسَخ أمّهات الكتب التي يَشتريها بماله الخاصّ، أو يَطبَعها على نفَقته، ليُوزِّعها على العلماء وطلاّبهم في قطر وجِوارها. فقد آمَن الشيخ جاسم بأنّ له ولبَلدِه رسالةً في استمرار الإشعاع الدِّينيِّ والعلميّ لهذه المنطقة، وبأنّ تَضافُرَ الدِّين والعِلم يَجمع المُنصِفين والعُقلاءَ وذَوي الضمائر الحيّة، ويُجنِّب المجتمعاتِ شرورَ الظُّلم والتعصُّب.


أمام ذلك كلِّه، نشعر نحنُ القطَريِّينَ اليومَ بوُجوب الالتزام برسالة الأَوَّلِينَ الأبطال الذين لقَوْا عنَتًا شديدًا ودفعوا ثمنًا باهظًا في سبيل الوحدة كما نشعر بأنّ وفاءَنا لِبُناة وحدتِنا يُحتِّم علينا المُضِيَّ قُدُمًا في جعْل أنفُسِنا ومؤسَّساتِنا وجامعاتِنا وإعلامِنا مناراتٍ للعِلم والصَّلاح، وفي تعميمِ الخيْر على جميع بَني البشر. فلدينا نماذجُ رائدةٌ ومُلهِمة كان لها دورُها في كتابة تاريخ المنطقة بأبهى حُلَله، وفي إشاعةِ الحريّة والعدلِ؛ وهو ما ينبغي لنا الحفاظُ عليه حيًّا في أذهاننا، وتطويرُ أثَره في أجيالنا الصاعدة.

اعتزازنا باليوم الوطني يتطلب منا تجديد رابطتنا لتراثنا والتكيف مع العصر الحديث, تلك الأجزاء منها التي هي أفضل وأكثر فائدة لنا. يجب أن نسعى إلى ضمان التقدم، ولكن دون التخلي عن هويتنا العربية والإسلامية. اعتزازنا باليوم الوطني يتطلب أيضا أن نعتمد على أعلى مستوى من المسؤولية الشخصية والمجتمعية. لا يمكن لأمة التقدم ما لم يتمسك شعبها بقيمها الأساسية، والعمل معا لنبني عليها، وتحقيق تطلعات مؤسسيها. المواطنة الجيدة و الصحية تعني المسؤولية والمشاركة. الانسجام والوحدة بين الناس، الذين يستوفون كافة   الأدوار البناءة في المجتمع، تحقق الثروة والسعادة في الحاضر والمستقبل لجميعنا.


اعتزازنا باليوم الوطني يتطلب منا تطوير وتحسين علاقاتنا مع الدول الأخرى لتمكين وطننا للعب دور فعال في بناء عالم من الخير وحسن النية، والسلام بين الأمم. القيم التي ورثناها من الشيخ جاسم بن محمّد آل ثاني ومن أسلافنا يعزز عزمنا على إبقاء بلدنا التي لا تقهر، داعية للاصلاح، مدافعا عن المظلومين، وحافزا لتسوية النزاعات ونشر السلام ان شاء الله، وسنكون قادرين على تحقيق هذه الأهداف النبيلة لأننا - قيادة و شعب - في وئام، متحدين، وفيكامل المعرفة للتراث المحلي والعربي والإسلامي والعالمي الملقاة على عاتقنا من قبل الشيخ جاسم منذ فجر البلاد المجيدة.

الجيش القطري

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أعمال اليوم الوطني في قطر لعام 2013 كل الحقوق محفوظة لدي مدرسة حمزة بن عبد المطلب . تصميم وتطوير أنس محمود ~ أنس محمود

Scroll to top